فيما تدخل الحرب في اليمن عامها السادس، يعمل عدد كبير من أرباب الأمن الجدد والتقليديين على الأرض ويتنافسون في مابينهم على المستوى المحلي. وتعكس التغييرات في الحوكمة الأمنية الانقسامات السياسية السريعة وإعادة تنظيم العلاقات الأمنية: ففي حالات كثيرة، الجهات المتصدرة لمهام الحماية هي الجهات التي تمارس الإكراه في الوقت نفسه.1Marie-Christine Heinze and Hafez Albukari, “Opportunities for SSR in Yemen”, in Marie-Christine Heinze (ed.), Addressing Security Sector Reform in Yemen. Challenges and Opportunities for Intervention During and Post-Conflict, Center for Applied Research in Partnership with the Orient (CARPO)-Konrad Adenauer Stiftung, Report, 20 December 2017 https://carpo-bonn.org/en/addressing-security-sector-reform-in-yemen/. في نظر المجتمعات المحلية، تؤدّي جهات أمنية متعددة الأدوار نفسها وتقوم بمهام متشابهة أو متداخلة. ومع استمرار العنف واللااستقرار، كان على اليمنيين، وهذه مفارقة، التعامل مع عدد متزايد من الجهات الأمنية المحلية و”الوطنية” والخارجية في حياتهم اليومية، ولاسيما في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين. بالطبع، لكل منطقة خصائصها؛ إنما يمكن تحديد بعض النزعات العامة، بما يضعنا أمام مشهدٍ تتأرجح فيه المجتمعات المحلية بين اللامركزية والحوكمة الذاتية، من أسفل الهرم إلى أعلاه.
لايزال اليمن منقسماً إلى ثلاثة كيانات سياسية-عسكرية أساسية متنافسة في مابينها وتدّعي الشرعية، وهي الحكومة المعترف بها دولياً التي انتقل مقرّها إلى عدن، و”شبه الدولة” التي أنشأها المتمردون الحوثيون وتتخذ من العاصمة صنعاء مقراً لها، والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي الذي نصّب نفسه في عدن والمناطق المحيطة بها. وفي شرق اليمن، لاتزال السلطات المحلية خاضعة رسمياً إلى الحكومة المعترف بها دولياً (مثلما حال في محافظتي مأرب والمهرة).
لكن، داخل هذه “الدويلات” المتصارعة، ماذا يحدث على مستوى المجتمعات المحلية؟ ومَن يتولّى فعلاً مسؤولية فرض الأمن على الأرض؟ ومنذ العام 2015، ماذا تغيّر أو لم يتغيّر على صعيد الأمن والحوكمة المحلية؟ الجهات الأمنية في اليمن هي عادةً مزيج هجين، مثلما كان الحال خلال حكم علي عبدالله صالح: فقد درجت ميليشيات مدعومة من الدولة، ومعظمها ذو منشأ قبلي، على دعم الجهات الحكومية الرسمية (الجيش والشرطة والحرس الجمهوري) والتعاون معها في مهام الحوكمة الأمنية.
على المستوى المحلي، لاتزال السلطات التقليدية مثل شيوخ القبائل وعقال الحارات2العاقل هو ممثل عن المجتمع منتخب محلياً يؤمّن الربط بين الجهات الأمنية الرسمية والمجتمع المحلي، ويؤدّي أيضاً مهام الشرطة في المناطق الريفية. وقد جرى الاعتراف بدوره في قانون الانتخابات اليمني 13/2001 الذي يُعرّف العاقل بأنه مسؤول عن إنفاذ العدالة: لهذا السبب، يكمّل العاقل في حالات كثيرة المنظومة الحكومية الرسمية. تمثّل “هيكليات دعم غير نظامية” للمجتمعات المحلية. في الواقع، يؤّدي هؤلاء عادةً دوراً بارزاً في توفير الأمن، بحيث يحلّ شيوخ القبائل مكان الحكومة المركزية أو ينسّقون مع الجهات الرسمية. 3انظر: Nadwa Al-Dawsari, Informal Actors, Communities and the State. An assessment of informal support structures and the social contract in Western Yemen, OXFAM, December 2014. وقد أفضت الحرب الأهلية إلى تغيير في الطابع الهجين للخدمات الأمنية، بحيث اكتسب وجهاً جديداً. والحال هو أن التهجين المتنامي بين الجهات العسكرية الرسمية وغير الرسمية لم يؤدِّ إلى مزيد من التشويش بين الحدود النظامية وغير النظامية وحسب، بل إن الميليشيات – لا الجيش – باتت من الآن فصاعداً في صلب الهيكليات العسكرية الهجينة في اليمن.4 Eleonora Ardemagni, “Patchwork Security: The New Face of Yemen’s Hybridity”, in Eleonora Ardemagni and Yezid Sayigh (eds.), Hybridizing Security. Armies and Militias in Fractured Arab States, Italian Institute for International Political Studies-Carnegie Middle East Center Joint Dossier, 30 October 2018 https://www.ispionline.it/it/pubblicazione/patchwork-security-new-face-yemens-hybridity-21523. للاطلاع على دراسة تركّز على مدينة تعز: Maged Sultan, Mareike Transfeld and Kamal Muqbil, Formalizing the Informal. State and Non-State Security Providers in Government-Controlled Taiz City, Yemen Polling Center, Policy Report, 22 July 2019 https://www.yemenpolling.org/formalizing_the_informal/.
يرمي هذا التحليل إلى تقديم صورة عن الحالة الراهنة لهذا القطاع المهم، من خلال التركيز على المدركات المجتمعية المتعلقة بالأمن في اليمن، الذي يرزح تحت وطأة النزاع. فانطلاقاً من الهيكلية الأمنية-العسكرية الهجينة، ماذا عن عناصر الأمن على المستوى المحلي؟ وماهو دور شيوخ القبائل وعناصر الشرطة؟ وإلى أي حد ساهم الحوثيون في تغيير التوازنات القائمة في مجال توفير الأمن، ولاسيما في المناطق الواقعة شمال غرب البلاد؟ وهكذا يمكن، على ضوء التطابقات وأوجه الاختلاف المتعددة على الصعيد المحلي (المناطق الخاضعة إلى سيطرة الحوثيين/المناطق غير الخاضعة إلى سيطرة الحوثيين؛ المناطق المدينية/الريفية؛ الشمال الغربي/الشمال الشرقي؛ الساحل الجنوبي/الداخل الجنوبي)، تحديد الجهات التي تتولى راهناً فرض الأمن في البلاد.