تأثير القات على الحياة السياسية في اليمن
لقد غدا مضغ القات اليوم جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية في كافة أنحاء اليمن و عادة مقبولة بشكل عام لدى جميع
طبقات المجتمع، وحتى في الوزارات أو في مجلسي النواب والشورى تعقد جلسات ما بعد الظھيرة في جو من المضغ.
كذلك، تولد لدى النخبة السياسية والاقتصادية في اليمن خلال العقود الماضية اھتمام ملحوظ تجاه القات حيث استثمر العديد من منتسبي ھذه النخبة في قطاع القات بسبب أن العوائد الناتجة عن زراعته وتجارته ھي ببساطة مذھلة. استفادت قبائل المرتفعات – التي يتم إنتاج الجزء األكبر من القات في أراضيھا -كثيرا من نھج سياسة عدم التدخل من قبل الحكومة . وقد مكنت لھا الأرباح المستفادة من قطاع القات من الحفاظ على استقلاليتھا عن الدولة وبناء جيوش قبلية حقيقية وحتىتجھيزها بأسلحة ثقيلة. إن فرض أي تقليص على إنتاج القات ناھيك عن فرض حظر على محاصيله أو استھلاكه لن يؤثر سلبا على سكان المرتفعات الريفية فحسب، بل أن ذلك سيثير مقاومة القبائل وبالتالي سيفضي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار في البلاد وجعلھا غير قابلة للحكم على الإطلاق.
إن العوامل التي تعيق التغيير في اليمن فيما يتعلق بالقات ھي قبل كل شيء خوف الحكومة من القوة القبلية
والاضطرابات العامة، بالإضافة إلى ضلوع العديد من أطراف الطبقة الحاكمة في زراعة القات . يقترن ذلك أيضا مع عدم
قدرة السلطات على فرض القانون في المدن – ناھيك عن المناطق القبلية – مما يجعل صناع القرار يترددون في التحدث علناً ضد القات. ويتفاقم ھذا الأمر بسبب العوز الفادح في وجود بدائل لتمضية وقضاء أوقات الفراغ، وعدم وجود أنشطة اقتصادية أخرى مجدية ومربحة، إلى جانب عدم وجود أسواق للمحاصيل البديلة ذات القيمة العالية.
شھد النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي بداية تحول الدولتين اليمنيتين من دولتين شبه ريعية تعتمدا اعتمادا
كبيرا على التحويلات المالية من المھاجرين والدخل السياسي غير المستقر، إلى دولة ريعية نفطية موحدة سياسيا. و منذ ذلك الحين أصبحت السياسة في اليمن متشابكة بشكل وثيق مع ما تسقطه ھبات الرياح من القطاع النفطي وأسعار السوق العالمية للنفط.تمثل إيرادات القطاع النفطي ما يربو عن 90 ٪من عائدات التصدير لليمن وحوالي 70 ٪من دخل الحكومة . لقد مكنت ھذه الإيرادات النظام، خلال النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي والسنوات الأولى من الألفية الثانية، من توسيع شبكة المحسوبية بشكل كبير وبسط سلطته على مناطق كثيرة من الريف. خلال تلك الفترة أصبح ارتباط القات بالسياسة متشابكاً على نحو متزايد مع الوضع الإيرادي للنظام و تم توظيف ھذه الارتباطية بشكل متزايد كوسيلة للبحث عن مصادر للدخل في أوقات الأزمات االقتصادية. على الرغم من المقاومة الشديدة لمزارعي القات والقبائل، إالا أن الحكومة شرعت منذ عام 1999 على نحو متكرر في إقامة حملات مناھضة للقات ذات جاذبية جماهيرية عالية. لقد كانت ھذه الحملات في أغلب الأحيان عفوية ومنسقة على نحو سيئ و بالتالي فقد ماتت معظمھا في مھدھا ولم تطبق أي من القوانين التي ُسنت حول القات بشكل فعلي على الإطلاق (مثال ذلك قانون عام 2002 التي حظر مضغ القات في المرافق الحكومية). لم تسفر ھذه الحملات عن أية تغييرات من حيث زراعة واستھالك العقار ھا، لكنها نجحت في إكساب صناع السياسة اليمنيين احترام نظرائھم من الدول العربية وھيئت لھم إحسان مجتمع المانحين. ودون المساومة على قبضته على السلطة، أصبح النظام ھو المستفيد من زيادة مستويات مساعدات التنمية، وفي نھاية الأمر، أثمرت سياسة القات بشكل سخي ليس أقلھا سخاء حصول اليمن على وعد مبدئي بقبول انضمامھا إلى مجلس التعاون الخليجي بحلول عام 2016 .
لعب القات أيضا دورا مھما خلال “ثورة الشباب” في اليمن عام 2011 .فبالرغم من الاعتقاد السائد أن القات ھو
عقار يولد التراخي والخمول والتقاعس عن العمل، إلا أنه ساعد على حشد كل من مؤيدي النظام والمعارضين المتظاھرين ضد صالح: أقام أنصار النظام خيامھم في ميدان التحرير وحاولوا الجلوس ضد االحتجاجات ومضغ القات الذي كان يوزع لھم مجانا من قبل النظام. وفي “ساحة التغيير” كانت رحى العقل المدبر وراء الثورة تدور بعدما نصب المتظاھرون لأنفسھم مدينة من الخيام. . ھناك، وبينما كانت تمضغ أوراق القات كانت تدور نقاشات مستفيضة وحماسية حول نظام جديد ذو رؤية حديثة لمرحلة ما بعد صالح.
بينما تتجه اليمن نحو عصر ما بعد النفط -مع توقع بعض المحللين استنزاف احتياطات النفط في وقت قريب كقرب
عام 2017 – سيكون من المثير للا ھتمام ملاحظة ما ھو الدور الذي سيلعبه القات وإيراداته في ھذا النظام السياسي في المستقبل. فھل سيكون النظام قادرا على الاستفادة من قطاع القات؟ وھل سينجح النظام في إحكام قبضته على أسواق القات وتنظيم وترشيد إجراءات فرض الضرائب عليه لتعويض العائدات المفقودة من النفط؟ أم أن شبكة التفكك الخاصة بالمحسوبية ستجعل البلد غير قابل للحكم بتاتاً في وقت قد تكتسب القبائل المنتجة للقات الحكم الذاتي وليصبح القات ھو الحاكم الحقيقي للمجتمع اليمني تماما كما ھو الحال في معظم مجتمعات الصومال اليوم؟